لم تخبره بمشاعرها نحوه,وهو كذلك لم يخبرها بمشاعره نحوها كان ذلك مرده إلى خوف الطرفين من أن هذا الشعور ليس إلا طيفٌ عابر لا يلبث أن يتلاشى ويختفي
دخلت عليه في يومٍ من الأيام ولكنه لم يشعر بهالم يحس بوجودها
أحست أنه تجاهلهاشعرت
أنه لا يريدهاثم خرجت
خرجت وهي تحس بشيء من الامتعاض مما رأته
خرجت وهي تحس بأنها مخدوعة . ولكن ممن ؟! لا تدري !
أهي خُدعت من أحاسيسها ومشاعرها التي ربما أوهمتها أنه يشعر بها وبوجودها ؟ ! ! !
أو أنه هو الذي خدعها وأوهمها بأنه يميل إليها ؟ المهم أنها شعرت بالخداع
ثم بعد ذلك بأيام
تقابلا وتوقفا طويلاً
ولكن العيون من كليهما كانت تشعر بالأسى
هي كانت تشعر بالأسى لأنها تُحس بأنها مخدوعة
وهو يشعر بالأسى لأنه لا يعرف ماذا بها
فهي قد تغيرت عليه ولم تكن كسابق عهدها معه
تحدثا طويلاً حاول أن يعرف ما الذي حدث ما الذي غيّرها ولكنه لم يستطع
كانت تتحدث عن الخديعة الكبرى وأن الزمن غدّار وأن الأيام تنكرت لهاوهو يحس بها وبألمها
فكان يحاول أن يستشف من كلامها هل تقصده هوولكنه لم يفلح
ولو عرف أنها تقصده لأفصح لها عن مشاعره نحوها
مشاعره تقول أنها هي فقط من يميل قلبه معها
ليتها لمحت أنها تعنيه وتقصده بكلامها عن الخداع
لربما أفصح عن مشاعره نحوها وما يكنه قلبه لها
هو يخاف من أن يخبرها بمشاعره
لأنه مات في حياته مرة ويخاف أن يموت أخرى لأنه بأعجوبة نجا من الأولى ولن ينجو من الثانية
ليتها أفصحت عما بها ولو تلميحاُ لقام على الفور بإخباره
ولكنه فشل في معرفة ذلك
لأنها أحاطت نفسها بسياج منيعٍ جداً يصعب اجتيازه سيطرت عليه بأفكارها وتأملاتها
كانت تجلس معه وتأكل معه وتشرب معه
وتضحك معه وتبكي معه وتفرح معه وتحزن معه
وكانت تسهر معه وكان يداعب النوم أجفانها
ثم تنام معه ببساطة كانا لا يفترقان لحظة واحدة
ولكن الغريب والعجيب
أنهما لم يلتقيا بجسديهما أبداً
ولم يرها أبداً
ولم يسمع صوتها أبداً
و لن يلتقيان أبداً
كانا يشعران بذلك ويحسّان به
ويعرفان هذا جيداً
ولكن لذة حبهما مع بعدهما كان جميلاً
كان رائعاً كان رقيقاً كان سامياً كان لذيذاً
ولكن سيطر الأسى الدفين
وسيطر الحزن العميق
على مشاعرهما وأحاسيسهما
وخلال أيام متتابعة متواصلة لم يذق للنوم طعماً
تعب وقلت شهيته للطعام فلم يعد يأكل إلا ما يرضى به أمه
كانت أمه تراه لا يمد يده إلى الأكل
كانت تراه شارد الذهن
كانت ترى عيناه ساهمتان شاردتان
كانت تراه ينظر إلى أشياء وكأنه ينظر إليها لأول مرة بسبب سرحانه
قالت له :
يا ولدي حاول أن تنساها ! فقد تزوجت
يكفي ماضاع من عمرك في الجامعة
يا ولدي زملائك الآن موظفون وأنت لا زلت في الجامعة بسبب هذا الذي تسمونه الحب
يا ولدي كل وانبسط سأزوجك من أحسن بنات البلد
يا ولدي لا تذبح قلبي فانا أمك
هي لا تعلم أنه الآن في حبٍ جديد لا علاقة له بحبه القديم
فنظر إليها وابتسم ابتسامة أفرحت أمه فانقلب الفرح إلى دمعة خرجت من عين أمه التي تفديه بروحها
وقال : ياأمي أنا بخير ولكن مدرسنا في الجامعة رمى علي ورقةالإجابة ظناًمنه أنني أغش وهذا سبب مابي الآن
ثم قام وغسل يديه وذهب إلى فراشه واضطجع عليه وفجأة قرر أن يتوقف
أن ينتهي
أن ينسحب
فيكفيه ما حصل له في المرة السابقة
ويكفي أمه ما حصل بسببه هو
فقرر قراراً
قرر أن ينزع قلبه من جسده حتى لا يحبها
قرر أن يقتلع عينيه حتى لا يرى عينيها
قرر أن يكون أصماً حتى لا يسمع ترانيمها
وأمر خياله وفكره أن يشطح بعيداً
بعيداً . . . بعيداً . . .
أمره أن يحلق في سماء الجنون
لعله ينسى
لعل مشاعره تخبو
لعل إحساسه ينطفئ
لعل مرارة الأسى التي يشعر بها تنقشع
فما وجد غير أن يقنع نفسه بأمرٍ ما
قرر أن يقنع نفسه ان من يحدثها هي امرأة متزوجة ولديها أبناء لعله ينساها
ولكن لم يعجبه هذا الأمر
وفجأة قرر أن يقنع نفسه بأمرٍ عجيب
أمر مجنون
بل غاية في الجنون
ما وجد غير أن يقنع نفسه بأن من قابله وتحدث معه إنما هو رجـل
رجـلٌ أراد أن يتلاعب به وبمشاعره
فإن لم يكن رجلاً !
فلماذا لم يرها
لماذا لم يلمس يديها
لماذا لم يسمع صوتها
فحاول إقناع نفسه أن من كلمه ومن حادثه ومن . . . ومن . . . ومن . . . .
إنما هو رجلٌ يتلاعب به وبمشاعره
عقله يكاد ينفجر من هول دماء قلبه المهدورة
وأحاسيسه المقهورة
ومشاعره المنحورة
فهل بعد هذا الجنون من جنون ؟!